الجمعة، 10 مارس 2023

العنوان: رمزيّة العلامة وغواية المعنى في ديوان: أفيض بك وحروفي عطشى، بقلم الشاعرة هندة السميراني

الشاعرة هندة السميراني
 

العنوان: رمزيّة العلامة وغواية المعنى
في ديوان: أفيض بك وحروفي عطشى
للشّاعرة: بسمة الصحراوي

 

إنّ الولوج إلى عوالم القصيدة بخفاياها ودروبها الشّائكة منها والمتاحة ليس بالأمر اليسير ولكنّه يظلّ متعة رغم ما فيها من العسر، خاصّة وأنّ هذه العوالم الّتي تتشكّل بها ومنها القصيدة تتمنّع ولا تهب نفسها وإنّما تدعوك للغوص عميقا ليتحقّق الارتواء لغة ومعنى خفيّ..

  ولعلّ هذه الإطلالة على ديوان الشّاعرة بسمة الصحراوي «أفيض بك وحروفي عطشى» ستلامس جانبا من الجوانب الكثيرة الّتي يمكن أن نتناول بها الأثر، ومن هذه المداخل المتعدّدة دراسة العنوان بما هو «عتبة أولى من عتبات النصّ وعنصر مهمّ في تشكيل الدّلالة وتفكيك الدّوال وإيضاح الخارج قصد إضاءة الدّاخل» كما عرّفه العديد من دارسي الأدب.

  فهل العنوان ذاك السّؤال الّذي تطرحه الذّات الشّاعرة ليجيب عنه النصّ؟ هل هو علامة غامضة تبحث عن تأويل فيتشظّى المعنى بتباين القراءات واختلاف مستويات التلقّي؟ وهل أفصح ديوان الشّاعرة بسمة الصحراوي من خلال وظائف العنوان المختلفة سواء أكانت مرجعيّة أو انفعاليّة أو جماليّة... عن خيط ناظم وحقل دلاليّ جامع لرؤيا الذّات للذّات والعالم؟

لا مناص من التّأكيد منذ البدء على أنّ العنوان يمثّل علامة ورسالة قطباها باثّ ومتلقّ، وعبر هذه العلاقة يتحقّق التّواصل سواء معرفيّا أو جماليّا من خلال رسالة عادة ما تكون مشفّرة ليضطلع المتقبّل بوظيفة تأويليّة حسب تفاعله توسّلا بلغة تكون عابرة لحدود الكلمات معبّرة عن معانيها..

ولتكتمل أركان الخطاب ويحقّق هذا الأخير غايته، نجدنا إزاء رسالة تمرّرها الذّات الشّاعرة عبر قناة هي اللّغة صريحة حينا ومتلبّسة بالإيحاء أخرى في مقامات شتّى.

يقودنا هذا القول إلى النّظر في عناوين ديوان «أفيض بك وحروفي عطشى» لنقف على وظائف عديدة تتجلّى لنا من خلال لعبة الضّمائر، فحركة العناوين تتبعها القصائد تدور في فلك ضمائر ثلاثة: الأنا وخطاب الذّات، الهو غيابا، والمخاطب مفردا وجمعا، كما أنّنا لا نعدم حضور الخطاب الثّنائي بين الأنا والأنت في أكثر من عنوان.

تشدّنا إذن في هذه العناوين أكثر من وظيفة ومنها الوظيفة المرجعيّة من خلال تمحور الخطاب حول ضمير الغائب، نجدها في عناوين هذه القصائد: «القصيدة عروس عربيّة/ هو... هي/ لا إيمان له بالبيتزا/ ليشرق من رفات...»

وربّما كان اقتحام أغوار النصّ وفضائه الرّمزي الدّلالي هو ما يكشف ما تحمله الذّات من مواقف تجاه واقع مكبّل بأغلال الصّمت والقمع والسّقوط في هوّة الخذلان..

تقول الشّاعرة في «القصيدة عروس عربيّة:»

إنّ البياض وحي عبور

إلى قصيدة عربيّة

تركبها جدائل الصّمت

سطوة أمل

وهيبة عناق قدّ

من لاءات الخرافة..

وفي قصيدة «هو... هي» تقول:

هو الجوع القابع تحت

مسامات الرّحيل

هي التّعب المتّكئ

على الدّفء القادم

من مداها..

 

هو صوت الأنثى، المرأة تكتم صراخها فيضجّ حرفها:

يا شيخ الضفّة اليسرى

ثار الطّوب على الطّوب

ولا ظلّ للجدار

فلمن سلامك؟ ص81

لئن كانت الوظيفة المرجعيّة للعنوان محدودة الحضور فإنّ الوظيفة الانفعاليّة تتبدّى أكثر جلاء وكثافة خاصّة وأنّها ترتبط بخطاب محوره ذات المتكلّم فنلفي هذا الاتّساع وهذا الامتداد للذّات في عناوين عدّة «أنا لست عاشقة/ أحتاج نبيّا ربّما/ أستودعك كذبتي/ أنا العاصمة/ أعدك/ أكتبك خلسة/ أنا الدّاهية الأشهى/ تصدّني الثّنايا/ سيقتلني الإطار...»

إنّ هذه النّزعة الإخباريّة التقريريّة في كلّ العناوين المحقّقة للوظيفة الانفعاليّة تشي بنوع من محاولة التطهّر والتخلّص من مشاعر وحالات من الثّورة الدّاخليّة تحياها الذّات وتروم أن تتحرّر منها...

«أنا لا أشتهي جسدك

كباقي النّساء

ولا آكل بيديك

ككلّ الحبيبات

أنا فقط أريد رؤية روحي

في عينيك للمرّة الثّانية.. (أنا لست عاشقة ص22)

«دعيني أعدم الخوف

من عيون الخدم

وإن جوّعوك

دعيني أزيّن أعناق السنابل

بالأحمر المكشوف

من لاءاتي.. (سيقتلني الإطار ص145)

أمّا عن الوظيفة الإفهاميّة للعنوان ومحورها المخاطب فكان في عدد غير قليل من عناوين القصائد، والملاحظ أنّ هذا المخاطب لم تنقطع صلته بالمتكلّم/ ذاتا شاعرة فنجده في «كدت لا أكتبك/ كفى أفلاما تزوّجنا/ ردّ لي حرفي/ لكنّك آخر/ أنت وأنا/ دعك منّي/ ارحل بخير...»

ولأنّ وظيفة الشّعر لا تقتصر على الإخبار أو محاولة تبليغ المعاني بقدر ما تقوم على الرّمز والتّخييل، فإنّ العناوين في هذا المستوى قد تراوحت بين خطاب خبريّ حينا وإنشائيّ حينا آخر وكأنّ الذّات الشّاعرة تحاول لملمة شتات اللّغة الفاصلة الواصلة في ذات الحين، تسعى أن ترمّم ما تداعى من حلم الاكتمال «فالشعراء لا يرسون على حلم واحد» ص30

هكذا تتناثر الرّموز ويستفحل الإحساس بالتشظّي والقطيعة بين الأنا الظمأى، الباحثة عن الرّواء في صحراء الآخر

«لست جميلة

على الدّوام يا سيّد

روحي ونبضاتي

فدعني...

حلما يغيّر لون عينيه

كلّ ظلام...»

 

من هذا الفيض للرّوح تناجي الرّواء وتحمل بوحا ظامئا تسير به في دروب الجمال وعر بلوغها... تلوح لنا الذّات ناصعة الحلم والتّوق إلى جسر يحملها من ضفّة العطش إلى ضفّة يرتوي فيها الحرف وتستوي الذّات قصيدة تنشد كمال اللّغة والمعنى وإن استعصى.

 

هنده السميراني- مارس2023

الخميس، 9 مارس 2023

عندما تبني الدّارجة عالم القصيدة وتنغّم إيقاعاتها، بقلم الشاعرة مها عزّوز

الشاعرة والناقدة مها عزّوز

عندما تبني الدّارجة عالم القصيدة وتنغّم إيقاعاتها
قصيدة بسمة الصحراوي "نحّ السيڤارو من يدّك " نموذجا

رغم أنّ الدّراسات الألسنيّة الحديثة قد أثبتت بما لم يعد يترك مجالات للشّكّ أنّ التّقسيمات اللّغويّة للغة ولهجة ليست إلاّ تقسيمات اعتباطيّة دواعيها ذاتيّة وغاياتها مصلحيّة ونفعيّة بالأساس. ورغم أنّ هذه الدّراسات نفسها أثبتت أنّ منطوق الإنسان إذا جاوز التّعبير عن الحاجة الغريزيّة إلى الخوض في مسائل الفنّ والفكر لا يكون إلاّ في نطاق لغة احترامها هو شرط من شروط الإنسانيّة. فإنّ في نخبتنا الصّفويّة ما زال هناك من يعيّر اللّغات بمعيار المقدّس والمدنّس والرّفيع الجليل والوضيع الحقير. ولا ندري بالضّبط أين يصنّف أسماء من قبيل أحمد فؤاد نجم والأبنودي ومظفّر النّوّاب. ولمّا كنّا الشّعب الوحيد في العالم الّذي لا اعتزاز له بأعمال أبنائه، فقد توقّفت قائمة كتّابنا المبدعين عند النّصف الأوّل من القرن المنصرم فلا شعر بعد الشّابي ولا أقصوصة بعد الدّوعاجي ولا رواية بعد المسعدي. وهكذا تجاهلت الدّراسات النّقديّة عندنا كلّ ألوان الإبداع الّتي جاءت بالعاميّة رغم أنّ الأستاذ صالح القرمادي قد دعا إلى اعتماد الدّارجة لغة رسميّة للبلاد التّونسيّة منذ السّبعينات.

ولكنّ عالم الإبداع ظلّ يسعى بعيدا عن الصّفويّة والنّخبويّة واللّغة المقدّسة. وظلّ يطارد الحياة حيثما كانت متّبعا نهجها الحديثة في الأمم المتقدّمة. وهكذا تواصل حضور النّصّ الدّارج على ألسنة الشّعراء. فقالوا ونشروا ولاقت نصوصهم آذانا صاغية ورواجا لا تصله الأقلام المصلوبة على أسنّة الأبراج. ونعدّ الشّاعرة بسمة الصحراوي من الشّاعرات اللاّئي خضن هذه الحرب الضروس ضدّ الصّفويّة ولا عتاد لها غير لهجة عامّيّة فيها من البساطة والعفويّة ما مكّنها من التّعبير عن ذاتها كما شاءت وكيفما شاءت رغم اعتراض من لا يريدون. وبعد، بسمة الصحراوي ليست خير شاعرة بالعامّيّة ولكنّها شاعرة ونصّها "نحّ السيقارو من يدّك" ليس خير ما كتبت ولكنّها كتبت وقرأت وتفاعل معه الجمهور طربا وتصفيقا وغيرة أيضا. ولمّا كان أمره كذلك رمنا أن نستقرئه عسى أن نصيب نحن أيضا بعض الخير إن لم يكن في مجال الإبداع ففي مجال النّقد الّذي به يكون المبدع مبدعا رغم ثرثرة المعترضين.

اختارت بسمة الصحراوي لنصها عنوانا "يا تطفّيه يا تطفّيني" فجعلت عالم القصيدة خيارين لا ثالث لهما، في أسلوب خاصّ بالدّارجة وهو مستلهم من معاني النّداء في الفصحى. فالشاعرة تنادي مخاطبا ولكنّها لا تستعمل اسمه بقدر ما تستعمل فعله. والفعل هنا هو فعل حياة أو موت. فإن قرنت الشّاعرة حياتها بالتّخلّص من غريم يدمنه حبيبها، فذلك يعني أنّ الخلاص من الإدمان عندها هو فعل حياة وأنّ الإدمان عندها ليس إلاّ نقيصة أحسن منها الانتقال إلى عالم الأموات. إنّ الأسلوب الدّارج "يا انا ياهي" في القصيدة المكتسب من دلالة النّداء في الفصحى يضفي على المعنى عمقا يتأتّى من الدّعوة إلى استبدال الإدمان بالحياة.

فإن كان أسلوب الدّارجة هو الّذي خلق عالم القصيدة فهو أيضا قد نغّم إيقاعها. ذلك أنّ الأسطر كانت قد التزمت بحرف الكاف رويا دالا على المخاطب المشتهى. ولكنّ الشاعرة أرادت أن توجد له داخل الأسطر ما يشبه الترديد فإذا الكاف في أغلب الأسطر تحيلك على أقرب الحروف إليها صوتيّا وهو حرف الـــ (ڤ g:) مشتاڤة، ملقى تعلڤم... وليس الحرف من الفصحى الرسميّة وإنّما هو صنو الدّارجة البدويّة الّتي تنتمي إليها بسمة الصحراوي. وهكذا تكون الدّارجة عالم القصيدة وإيقاعها في آن.

نخلص بعد ذلك إلى أصل الحكاية بين أنا الشاعرة والسيڤارو الّذي ينتزع منها حبيبها. فيغفل عنها هي المستعدّة أن تقايض حبّه بالحياة. الحكاية لا تجاوز حكاية غيرة المرأة من كلّ ما يمكن أن يشغل عنها حبيبها وإن طرفة عين. وهذا السيڤارو يملك عليه كلّ الحواس. وإذا دخانه حجاب منسدل يسمح للسيجارة أن تختلي بالحبيب: يده وشفته وأنفاسه ثمّ تمنع ما يكون من التقاء العيون. وهل الحبّ إلّا نظرة أطلقت دخانا عليها سيجارة؟ ملكت السيجارة من الحبيب المشتهى كلّ الحواس ولم يبق للعاشقة من منفذ إلاّ منفذ السّماع. فلا عجب بعد ذلك أن تقتنصه في أسلوب قويّ مزلزل وهو ما يبرّر صيغة الأمر بما لها من دلالة على قوّة الالزام ورقّة الالتماس.

"نحّ السيڤارو من يدّك" تتكرّر أربع مرّات في النصّ. إنّها صورة العاشقة المستبسلة في انتزاع حبيبها من أخرى أحاطته بكلّ فنون الغواية. فلم تجد بدّا من أن تنتصر لنفسها بالالتجاء إلى مساندة كلّ القوانين الأخلاقيّة الاجتماعيّة. فالجملة "نحّ السيڤارو من يدّك" ترد عادة على لسان الكبير يلوم صغيرا على اقتراف ذنب أخلاقيّ هو أيضا يقترفه. وكذلك تردّدها الشاعرة متأكّدة أنّها الأخرى تقترف ذنب العشق ولا تستطيع عنه ابتعادا كما لا يتخلّص المدخّن من سيجارته رغم العتاب. ولكن لا حيلة لها غير الكلام والتّسلّل من حاسّة السّماع بعد أن ضاقت دونها بقيّة الحواسّ. تكرّر الفعل أربع مرّات حتّى إذا ضاقت به دعت إلى إعدامه في حركة إذلال "ارم". لا تفعل ذلك إلّا وقد هيّأت للحبيب بديلا عن التدخين "ثبت" " تكلم" "اعمل". إنّ العاشقة إذ تدعو إلى إعدام السيجارة تدعو إلى بناء جديد عماده التأمّل والتّواصل والتّغيير الفعليّ الجديد. ذلك مفهوم الحبّ الحقيقي: يبني العاشق حبيبه بناء جديدا باذلا حياته بديلا عن النّقائص. ولا تلبث العاشقة بحسّها المرهف أن تدرك أنّها قد انتصرت إذ توسّلت إليه حاسّة السّمع. ولا عجب في أنّ حاسّة السّماع تستدقّ في العاشق حتّى ليسمع الحفيف ويطرب للوشوشة وينشيه التأوّه والأنين. وهكذا لا ينتهي النصّ إلاّ وقد لان العاشق لما جاءه من رسائل العشق وخاتمتها دعابة تدعو إلى ترك السيجارة واستبدالها بصورة للذّكرى تخلّد هذا الانتصار."إيجا أعمل معايا سلفي"

أفلحت بسمة صحراوي إذن في أن تكون تلك العاشقة المعشوقة وانتصرت على غريمها إلى درجة أنّها انتزعت منه فعله المميّز فدعت حبيبها إلى أن "يتكيفها" في دلالة جديدة للفعل بما هي دعوة إلى اللّذّة حتّى الانتشاء وقد كان الفعل المرتبط بالسيجارة حرق واحتراق. والمعنيان متلبسان باللّهجة الدّارجة والفصحى عنهما نائية منئية.

إنّ انبثاق المعنى في القصيدة من اللّهجة الدارجة وقيام الإيقاع على أصواتها لممّا يؤكّد قدرة الشّاعرة على تطويع إمكانيّات اللّغة/ اللّهجة إلى ما جال في عاطفتها وخامر ذهنها وتلك خاصّيّات الشّاعر الفنّان.

مها عزّوز


القصيدة بصوت صاحبتها الشاعرة بسمة الصحراوي

الأربعاء، 8 مارس 2023

يا تطفّيه يا تطفّيني، بسمة الصحراوي

الشاعرة بسمة الصّحراوي مع السفير الأندونيسي والشاعر عزّ الدين الشابّي
أمتعت الجميع بالقصيدة:

يا تطفّيه يا تطفّيني

 

نحّي السيڨارو من يدك

 ثبّت هاني قريبة ليك

 

محرومة راني في بعدك

مشتاڨة لنظرة عينيك

 

نحّي السيڨارو واخطفني

طيّشني ما بين ضلوعك

 

يا سيدي اخزر ما ألطفني

واش صبّر روحي لرجوعك

 

 ڨارو في جرّة الڨارو

وانا عيوني فيك احتارو

وينك منه ويني منك

وينو كلامك وينو فنّك

 

 تعلڨم وتعسّل في فمّك

نحّيه براسي   براس أمّك

 

توحّشتك واشتقت لهمك

وماخيبها الدنيا بلا بيك

 

فهمني نارو من نارك

ضرّة وما كشفتلي اسرارك

 

 ما نسيتكش وزاد غيارك

 يا عمري ما اقواه هواك

 

نحّي السيڨارو واحكيلي

آش عملت الأيّام معاك

 

مسكينة ضايع دليلي ودخانك

 سارق ملڨاك

 

يا تطفّيه يا تطفّيني مجنونة

وحبّك كاويني

 

نستنى وقتاش تجيني وتتكيف

عشقي برضاك

 

وكان شاهي يا ريدي

 تنسى

 خمرة

 أشعاري على حسابك

 

كنشوفك راني نتخدّر وزيد عقلي

 يتلف أسبابه

 

ارمي السجارة من خلفي وهيّا

اعمل معايا سلفي

 

خليها الغيرة توفاها كيما حرقتني

 يا ولفي ...

بسمة الصحراء

القصيدة بإلقاء الشاعرة بسمة الصحراوي

الثلاثاء، 7 مارس 2023

صورة... برسم شاعر، للشاعر محمّد عليّ عبيد

 
وجدت نفسي أمام عشق بين متضادّين جعلت منهما الشّاعرة متلازمين... الفيضان مقابل العطش.

فهل هي دعوة للغوص في جفاف الحروف عسى أن يطالها الفيضان فيكون هذا الكتاب بستانا من كلمات نبتت من تلك الحروف العطشى... لتصنع بسمة؟

أم سيكون عطش الحروف الّذي أمامنا أشدّ من الفيضان فلا ترتوي الحروف ويتواصل الجفاف ويسيطر على الكتاب الجوّ الصحراوي؟

 "أفيض بك وحروفي عطشى" مجموعة شعريّة للصّديقة بسمة الصحراوي.

محمّد عليّ عبيد

الشاعرة بسمة الصحراوي في حفل توقيع ديوانها
"أفيض بك وحروفي عطشى"

الاثنين، 6 مارس 2023

هيبو آكرا... بنزرت، وهيبة قويّة

الشاعرة وهيبة قويّة

 هيبو أكرا


بَنْزَرْتُ تَغْزِلُ مِنْ شَفِيفِ المَاءِ زُرْقَةَ شَالِهَا.

تَهَبُ الْمَدَى عَيْنًا

وَتَفْتَحُ لِلْهوَى أَقْفَالَهَا.

زَرْقَاءُ

تَأْتِيهَا الرُّؤَى طَوْعًا عَلَى مَوْجٍ لَهَا،

مُتَرَنِّحًا،

تَطْفُو لَآلِئُ قَلْبِهِ بِدَلَالِهَا،

وَيَمَامَةٌ

تَتْلُو نُبُوءَتَهَا رُؤَاهَا،

مِنْ تَصَاوِيرِ الْمَدِينَةِ عَائِمَاتٍ

تَزْدَهِي بِجَمَالِهَا.

وَعَلَى مَرَايَا الْمَاءِ أَسْفَارٌ

ترجّعُ في خُشُوعِ الْمَوْجِ مَوَّالًا

تَعَالَى مِثْلَ تَرْنِيمَاتِ دَاوُودٍ

عَلاَ أَسْوَارَهَا،

وَسَمَاؤُهَا شَرِبَتْ شُعَاعَ الْمَاءِ

حَتَّى أَثْمَلَتْ فِي زُرْقَةِ الْأَمْدَاءِ أَزْجَالَ الْمَرَاكِبِ،

وَاقْتَدَى مِسْفَارُهَا، 

هِيلَا...

تُهَدْهِدُ موجةً،

فَتَهُبُّ هِيبُو مثلَ لؤلؤةٍ،

وَهِيلَا...

إذْ تَهُبُّ

فَفي صَدَى التَّارِيخِ... صَوْتٌ حَاطَها كَسوَارِهَا،

حِصْنٌ تَشرَّبَ مِنْ مِيَاهِ الْأَزْرَقِ النّشوان

هِيبُو عَيْنُهَا...

هِيبُو، نُبُوءَاتُ الْيَمَامِ وآيةٌ،

قَدْ أَوْدَعَتْ أَسْرَارَهَا

في حِكْمَةِ الْمَاءِ الْمُقَدَّسِ،

فِي رُؤَى زَرْقَائِهَا.

وهيبة قويّة

الأكثر متابعة هذا الأسبوع